24‏/03‏/2012

الوقوف على الأطلال


سألني ابني ما هو الوقوف على الأطلال ؟

 و لأني محتقن منذ كنت مثله في المدرسة من قصص الوقوف على الأطلال و قصص قال اعرابي لاعرابي و التقى اعرابي باعرابي و سواها من القصص البدوية البلهاء التي ألبست لباس الحكمة تارة و الرومانسية تارة اخرى على غير حقيقتها و واقعها و بيئتها و شخوصها الصحراوية
وجدت نفسي مندفعا لأشرح له حقيقة الوقوف على الأطلال و واقعها
فقلت له :
يا بني كان بداوة الجزيرة العربية و قبائلها رحلا يعيشون في الخيم و يربون الابل و الأغنام فكانوا يبحثون عن أرض معشوشبة مخضرة فينزلون فيها بغنمهم حتى يأتوا على خضرتها و خيرها و يحولوها الى أرض جرداء قاحلة مقفرة و بدلا من حرثها و زراعتها و رعايها لتثمر من جديد كما تفعل كل الشعوب البشرية المتحضرة
كل ما فعلوه هو أن حزموا خيمهم و تركوها خرابا ليزحفوا بأسرابهم بحثا عن أرض خصبة أخرى ليمحقوها تماما كالجراد
هكذا كانت حياتهم و ثقافتهم و ما زالت ثقافة الجراد التكاثر و الزحف لحرق الأخضر و اليابس فلا مكان للتفكير بالعمل و الانتاج الذاتي و البناء بل فقط الزحف و استهلاك الموارد و الغزو و السبي و النهب و السلب و الخراب و القتل
و في هذه البيئة الهوجاء المتنقلة لا مجال لقصة حب أو صداقة أو معرفة أو علاقة انسانية لتكتمل فكان أحدهم لا يلحق أن يرى فتاة أو يعجب أو يحلم بها حتى يستيقظ صباحا فلا يجد لها و لأهلها أثر حيث غادروا مع كلبهم و أغنامهم للبحث عن مرعى جديد لم يسبقهم اليه أحد في مكان ما .
فلا يتبقى له سوى الطواف فوق آثارهم القيمة و طبعا لن تكون آثارهم آثار تدمر أو الفراعنة أو قرطاج أو اليونان و الرومان أو حدائق بابل المعلقة فكل ما سيجده اعرابينا بعض الخرق المقملة البالية و الحجارة و الموقدة فيطوف بها ثم يتذكر أثر عزيز على قلبه فيخطو اليه ليصل الى مخروانتهم حيث كانت حبيبته و أهلها يقضون حاجتهم و هنا يعتمل في نفسه مزيج من الذكريات و المشاعر و الغرائز و الهرمونات و الروائح و لا يستطيع أن يتمالك نفسه فيجهش أعرابينا بالبكاء – كما يجهش القرضاوي عندما تنتابه حالات نفاق شديد - فقد كان يتخفى و ينتظر لساعات طوال من بعيد ريثما تخرج حبيبته لقضاء حاجتها هناك ليتلصلص عليها و يشبع بعض غرائزه في ظل الشح و انعدام البدائل عدا جحشهم في تلك الديار.
هذه حقيقة الوقوف على الأطلال انه بكاء على المخروانة .
و هذا الأدب و التاريخ الخرائي لا علاقة لنا به لا من قريب و لا من بعيد
فلم يكن عندنا خيم و أطلالها و مخرواناتها لنبكي عليها فقد كنا مستقرين حضريين نبني بيوتا و قصورا و مسارحا و مدنا و حضارات ما زالت آثارها شامخة في كل مكان من سوريا و كنا نزرع و نحصد و نشق الترع و الأقنية و نفكر و نصنع و ننتج الى أن غزانا الجراد العربي الأمي و ثقافته المتوحشة البربرية تحت راية اسلامه.
فصحرنا فكريا و انسانيا و حضاريا و شوه تاريخنا و دمره و أحل محله تاريخ و عقلية الربع الخالي الذي هو مزيج من الأوهام و الأكاذيب و الأساطير الخرقاء و الجنون و الهبل و الغرائزية و الدموية و التوحش .
و لم يكتف بداوة الجزيرة العربية باغراقنا بروايات التلصلص و البكاء على المخروانات تلك بل أعطوها قدسية في دستورهم القرآن فجعلوا الله يسرق فكرة عمر الجهنمية بتحجيب و تنقيب الحرائر لكي يميزهن أشاوس المسلمين المتلصلصين عن الجواري فلا ينقضوا عليهن أثناء قضاء حاجتهن في البرية و هكذا بدلا من أن ينصح الله رسوله ببناء مرحاض في بيته لاراحة بال نسائه أثناء التغوط و لحمايتهن من انقضاض أتباعه الرعاع المسلمين ابتلانا بالحجاب و النقاب الى أبد الآبدين رغم أن السبب قد بطل على أيدي الكفار الذين أنعموا علينا بفكرة مرحاض في كل بيت و رغم أن الرومان أنشأوا قنوات الصرف الصحي قبل أن يخرج علينا اله البداوة بفكرة الحجاب بمئات السنين و شتان ما بين هذا و ذاك.